صار الله جسدًا لأول مرة بعد عصر الناموس، وهو تجسُّد استمر لمدة ثلاثة وثلاثين عامًا ونصف. من ناحية الإنسان، هل ثلاثة وثلاثون عامًا ونصف مدة طويلة؟ (ليست طويلة). حيث أن فترة حياة الإنسان عادةً ما تكون أكثر من ثلاثين عامًا، فهي ليست مدة طويلة للإنسان. لكن من ناحية الله المتجسّد، هذه الثلاثة والثلاثون عامًا ونصف كانت مدة طويلة للغاية. لقد صار شخصًا، شخصًا عاديًّا تحمّل عمل الله وإرساليته. هذا عنى أنه كان يجب عليه أن يتولى عملاً لا يمكن للشخص العادي توليه، وأيضًا يتحمل معاناةً لا يمكن لأناس عاديين أن يتحملوها. إن حجم المعاناة التي تحملها الرب يسوع أثناء عصر النعمة، بدايةً من عمله حتى سُمّر على الصليب، قد تكون شيئًا لم يشهده أناس اليوم بصورة شخصية، لكن هل يمكنكم تقدير القليل منه من خلال قصص الكتاب المقدس؟ بغض النظر عن كم التفاصيل الموجود في هذه الحقائق المسجلة، فإن عمل الله أثناء هذه الفترة كان مليئًا بالصعاب والمعاناة. من وجهة نظر إنسان فاسد، ثلاثة وثلاثون عامًا ونصف ليست مدة طويلة؛ والقليل من المعاناة ليست مشكلة كبرى. ولكن من وجهة نظر إله معصوم وقدوس، وجب عليه أن يحمل كل خطايا البشرية، ويأكل وينام ويعيش مع الخطاة، فهذا الألم عظيمًا للغاية. إنه الخالق، سيد كل الأشياء، وحاكم كل شيء، ومع ذلك عندما جاء إلى العالم كان ينبغي عليه أن يتحمل ظلم البشر الفاسدين وقسوتهم. لكي يكمل عمله وينقذ البشرية من البؤس، كان ينبغي أن يُدان من الإنسان ويحمل خطايا البشرية كافة. لا يمكن للناس العاديين أن يدركوا مدى المعاناة التي اجتازها أو يقدروها. ماذا تمثل هذه المعاناة؟ إنها تمثل تكريس الله للبشرية. إنها تمثل المهانة التي عانى منها والثمن الذي دفعه من أجل خلاص الإنسان، ليفديه من خطاياه وليُكمل هذه المرحلة من عمله. وهذا يعني أيضًا أن الإنسان سيُفتدى من الصليب بعمل الله. هذا الثمن دُفع دمًا وحياةً، وهو ثمن لا يمكن للكائنات المخلوقة أن تدفعه. لأنه كان يحمل جوهر الله وكان مؤهلاً بما لدى الله وبمن هو الله استطاع أن يتحمل هذا النوع من المعاناة وهذا النوع من العمل. هذا شيء لا يمكن لأي كائن مخلوق أن يفعله بدلاً منه. هذا هو عمل الله أثناء عصر النعمة وإعلان عن شخصيته. هل يكشف هذا أي شيء عما لدى الله وعمَّنْ هو الله؟ هل هو شيء يستحق أن تعرفه البشرية؟
مع أن الإنسان لم ير شخص الله في ذلك العصر، إلا أنه نال ذبيحة الله عن الخطية وافتُدي من الصليب بواسطة الله. قد لا تكون البشرية غريبة عن العمل الذي قام به الله أثناء عصر النعمة، لكن هل من أحدٍ مطلع على الشخصية والمشيئة الذين يعبر عنهما الله أثناء هذه الفترة؟ لا يعرف الإنسان تفاصيل عمل الله أثناء العصور المختلفة من خلال قنوات متنوعة، أو يعرف قصصًا متعلقة بالله قد حدثت في نفس الوقت الذي كان ينفذ فيه الله عمله. هذه التفاصيل والقصص هي في الغالب مجرد معلومات أو أساطير عن الله، وليس لها أية علاقة بشخصية الله وجوهره. لذلك مهما كان عدد القصص التي يعرفها الناس عن الله، فهذا لا يعني أن لديهم فهمًا عميقًا ومعرفةً عن شخصية الله أو جوهره. مثلما هو الحال في عصر الناموس، مع أن الناس من عصر النعمة قد اختبروا تواصلاً قريبًا وحميمًا مع الله في الجسد، إلا أن معرفتهم بشخصية الله وجوهره لم تكن موجودة فعليًّا.
صار الله جسدًا مرةً أخرى في عصر الملكوت، بنفس طريقة المرة الأولى. أثناء هذه المرحلة من العمل، لا يزال الله يعبر عن كلمته ويقوم بالعمل الذي ينبغي عليه القيام به ويعبر عما لديه وعمَّنْ هو بلا تحفظ. في الوقت ذاته، يستمر في تحمل عصيان الإنسان وجهله ويتسامح معه. ألا يكشف الله باستمرار عن شخصيته ويعبر عن مشيئته أثناء هذه المرحلة من العمل أيضًا؟ لذلك، فمنذ خلق الإنسان حتى اليوم، كانت شخصية الله وكيانه وصفاته ومشيئته معلنة دائمًا لكل شخص. لم يحجب الله جوهره أو شخصيته أو مشيئته أبدًا عمدًا. كل ما في الأمر هو أن البشرية لا تبالي بشأن ما يفعله الله وما هي مشيئته؛ وهذا هو السبب في أن فهم الإنسان عن الله يُرثى له. بمعنى آخر، بينما يحجب الله شخصه، فإنه يقف إلى جانب البشرية في كل لحظة، ويبرز مشيئته وشخصيته وجوهره علنًا في كل الأوقات. هذا معناه أن شخص الله أيضًا معلن للناس، ولكن بسبب عمى الإنسان وعصيانه، فهو غير قادر دائمًا على رؤية ظهور الله. إن كان الأمر هكذا إذًا، ألا ينبغي أن يكون فهم شخصية الله والله ذاته سهلاً للجميع؟ هذا سؤال تصعب إجابته، أليس كذلك؟ يمكنكم أن تقولوا إنه سهل، ولكن عندما يسعى بعض الناس لمعرفة الله، لا يمكنهم أن يعرفوه حقًّا ولا أن يحصلوا على فهم واضح عنه؛ فدائمًا ما يكون ضبابيًّا ومبهمًا. لكن إن قلتم أنه ليس سهلاً، فهذا غير صحيح أيضًا. بعد أن صار كل شخص خاضعًا لعمل الله لمدة طويلة، ينبغي على كل واحد، من خلال اختباراتهم، أن يكون قد دخل في تعاملات صادقة مع الله. لا بد أنهم قد شعروا بالله بقدر ما في قلوبهم أو اصطدموا بالله من قبل على المستوى الروحي، لذلك ينبغي عليهم على الأقل أن تكون لديهم ثمة وعي إدراكي بشخصية الله أو أن يكونوا قد حصلوا على بعض الفهم عنه. منذ الوقت الذي بدأ فيه الإنسان باتباع الله إلى الآن، نالت البشرية الكثير جدًّا، ولكن بسبب كافة أنواع الأسباب – أي إمكانيات الإنسان الضعيفة وجهله وعصيانه والمقاصد المتنوعة – فقدت البشرية أيضًا الكثير. ألم يعطِ الله للبشرية بالفعل ما يكفي؟ مع أن الله يحجب شخصه عن البشر، إلا إنه يمدهم بما لديه وبمَنْ هو، وحتى بحياته؛ لا ينبغي أن تكون معرفة البشرية عن الله على ما هي عليه الآن فحسب. لهذا السبب أعتقد أنه من الضروري أن أشارككم المزيد عن موضوع عمل الله وشخصية الله والله ذاته. الهدف هو ألا تضيع آلاف السنوات من الرعاية والفكر الذين أفاضهما الله على الإنسان هباءً، ولكي تنال البشرية فهمًا أصيلاً وتقدّر مشيئة الله تجاهها، وحتى يستطيع الناس المضي قدمًا في خطوة جديدة نحو معرفة بالله. وبهدف أن يعود الله أيضًا إلى مكانه الصحيح في قلوب الناس، أي أن يعاملونه بعدل.
لكي تفهموا شخصية الله والله ذاته عليكم أن تبدأوا بشيء قليل للغاية. ولكن من أي قليل تبدأون؟ أولاً، لقد فتشتُ في بعض الإصحاحات من الكتاب المقدس. تتضمن المعلومات أدناه آيات كتابية، وجميعها متعلقة بموضوع عمل الله وشخصية الله والله ذاته. لقد وجدت هذه الاقتباسات على وجه الخصوص كمواد مرجعية لمساعدتكم على معرفة عمل الله وشخصية الله والله ذاته. سأشارككم هنا بها لنرى ما هو نوع الشخصية والجوهر الذي كشفهما الله خلال عمله الماضي ولكن الناس لم تعرف بشأنهما. قد تكون هذه الإصحاحات قديمة، ولكن الموضوع الذي نتكلم عنه هو شيء جديد لم يسمع الناس عنه أبدًا من قبل. قد يجده البعض منكم أنه لا يمكن تصوره، ألا يتبع الحديث عن آدم وحواء ثم الرجوع إلى نوح نفس الخطوات مرة أخرى؟ مهما كان ما تعتقدونه، هذه الإصحاحات مفيدة للغاية عند التكلم عن هذا الموضوع، ومن الممكن أن تكون بمثابة نصوصٍ تعليمية ومصادر مباشرة لمشاركة اليوم. ستفهمون مقاصدي من وراء اختيار هذه الأجزاء بمجرد أن أنتهي من هذه المشاركة. أولئك الذين قرأوا الكتاب المقدس من قبل قد رأوا هذه الآيات القليلة، ولكن ربما لم يفهموها فهمًا صحيحًا. لنلقِ نظرةً سريعة قبل التعمق في فهمها واحدةً تلو الأخرى على نحو أكثر تفصيلاً.
آدم وحواء هما جدّا البشرية. إن كنا سنتحدث عن شخصيات من الكتاب المقدس، فعلينا أن نبدأ بهما. التالي هو نوح، الجد الثاني للبشرية. هل ترون هذا؟ مَنْ هي الشخصية الثالثة؟ (إبراهيم). هل تعرفون جميعكم قصة إبراهيم؟ قد يعرفها البعض منكم، ولكن قد تكون غير واضحة تمامًا لآخرين. مَنْ هي الشخصية الرابعة؟ من الذي ذُكِر في قصة دمار سدوم؟ (لوط). ولكن لوط غير مُشار إليه هنا. فمَنْ الذي تشير إليه القصة؟ (إبراهيم). الأمر الرئيسي المذكور في قصة إبراهيم هو ما قاله يهوه الله. هل ترونه؟ مَنْ هي الشخصية الخامسة؟ (أيوب). ألم يذكر الله قدرًا كبيرًا من قصة أيوب أثناء هذه المرحلة من عمله؟ هل تهتمون كثيرًا بشأن هذه القصة؟ إن كنتم تهتمون كثيرًا، هل قرأتم قصة أيوب في الكتاب المقدس بدقة؟ هل تعرفون ما هي الأشياء التي قالها أيوب، والأشياء التي فعلها؟ أولئك الذين قرأوها كثيرًا، كم مرة قرأتموها؟ هل قرأتموها كثيرًا؟ الأخوات من هونج كونج، نرجو أن تخبرونا. (لقد قرأتها مرتين من قبل عندما كنا في عصر النعمة). ألم تقرأوها مرة أخرى منذ ذلك الحين؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا عار كبير. دعوني أخبركم إنه أثناء هذه المرحلة من عمل الله، فإنه ذكر أيوب عدة مرات، وهذا انعكاس لمقاصده. كونه ذكر أيوب عدة مرات ولكنه لم يثر انتباهكم، فإن هذه شهادة عن حقيقة وهي: إنكم لا تهتمون بأن تكونوا أناسًا صالحين يتقون الله ويحيدون عن الشر. هذا لأنكم مكتفون فقط بأن تكون لديكم مجرد فكرة سطحية عن قصة أيوب التي حكاها الله. أنتم مكتفون بمجرد فهم القصة نفسها، لكنكم لا تبالون بشأن تفاصيل شخصية أيوب أو الهدف من وراء ذكر الله لأيوب في مناسبات متعددة، ولا تحاولون فهم هذا. إن كنتم غير مهتمين حتى بمثل هذا الشخص الذي قد مدحه الله، فبماذا أنتم مهتمون بالضبط؟ إن كنتم لا تبالون بهذا الشخص الهام الذي ذكره الله ولا تحاولون فهمه، فإيلام يشير هذا عن موقفكم تجاه كلمة الله؟ أليس ذلك شيئًا مُحزِنًا؟ ألا يثبت هذا أن معظمكم لا يشترك في أمور عملية وأنكم جميعًا لا تسعون للحق؟ إن كنتم تسعون للحق، ستُبدون انتباهًا أساسيًّا للناس الذين يؤيدهم الله ولقصص الشخصيات التي تحدث عنها. بغض النظر عن إن كنت تستطيع تقديرها أو إيجادها واضحة، فستذهب سريعًا وتقرأها، وتحاول فهمها وإيجاد طرق لاتباع نموذجها، وتفعل ما بوسعك. هذا هو سلوك شخص يشتاق للحق. ولكن في الواقع معظم الجالسين منكم هنا لم يقرأوا قط قصة أيوب. وهذا يوضح لنا شيئًا حقًّا.
دعونا نرجع إلى الموضوع الذي كنت أناقشه للتو. يحتوي هذا الجزء من الكتاب المقدس الذي يتناول عصر الناموس في العهد القديم بدرجة رئيسية على قصص الشخصيات التي اقتبستها. هذه القصص مألوفة لأغلبية الناس الذين قرأوا الكتاب المقدس. ولهذه الشخصيات مغزى تمثيلي للغاية. أولئك الذين قرأوا قصصهم سيكونون قادرين على الشعور بأن العمل الذي قام به الله عليهم والكلمات التي قالها لهم ملموسة ويمكن لكل الناس في العصر الحاضر الوصول إليها. عندما تقرأ هذه القصص والسجلات من الكتاب المقدس، ستكون قادرًا على فهم كيف واصل الله عمله وعامل الناس في ذلك الوقت بطريقة أفضل. لكن الهدف من إيجادي لهذه الإصحاحات اليوم ليس أن أجعلك تحاول فهم هذه القصص والشخصيات المذكورة فيها. بل لكي تستطيع، من خلال قصص هذه الشخصيات، أن ترى أعمال الله وشخصيته وبذلك يصير من السهل أن تعرف الله وتفهمه، وترى الجانب الحقيقي منه، وتوقف خيالك وتصوراتك عنه، وتنهي إيمانك وسط الغموض. محاولة فهم شخصية الله وفهم ومعرفة الله ذاته بدون أساس يجعلك دائمًا تشعر بالعجز وغياب القوة وعدم التأكد من أين تبدأ. لهذا السبب فكرت في استخدام مثل هذه الطريقة وهذا المنهج لتفهم الله فهمًا أفضل، وتقدّر مشيئة الله بدرجة أكبر من الأصالة، وتعرف شخصية الله والله ذاته، ولكي تشعر شعورًا صادقًا بوجود الله وتقدر مشيئته تجاه البشرية. أليس هذا مفيدًا لكم؟ الآن ماذا تشعرون داخل قلوبكم حينما تنظرون إلى هذه القصص والنصوص مرة أخرى؟ هل تعتقدون أن هذه النصوص التي اخترتها من الكتاب المقدس غير ضرورية؟ يجب أن أؤكد مرة أخرى ما قلته لكم: الهدف من جعلكم تقرأون قصص الشخصيات هذه هو مساعدتكم على فهم كيفية قيام الله بعمله على الناس وموقفه تجاه البشرية. من خلال ماذا يمكنكم فهم هذا؟ من خلال العمل الذي قد قام به الله في الماضي، بالاشتراك مع العمل الذي يقوم به الله في الوقت الحالي لمساعدتكم على فهم أمور متنوعة عنه. هذه الأمور المتنوعة حقيقية، ويجب أن يعرفها ويقدّرها أولئك الذين يرغبون في معرفة الله.
المصدر مأخوذ من: البرق الشرقي